تخف من الأفكار, و لا تفترض هزيمتك أمامها. بل قل مع الرسول:
(( أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني)) ( في 13:4 ).
واصمد في قتال الأفكار متذكراً تلك العبارة الجميلة: (( مستأسرين كل فكر لطاعة المسيح )) (2 كو 5:10 ).
درب نفسك على أن تتولى قيادة أفكارك. ولا تجعل الأفكار تقودك.
املأ فكرك باستمرار بشيء روحي... حتى إذا أتاه الشيطان بفكر رديء, لا يجد الذهن متفرغاً له. اشغل نفسك... فهذا علاج وقائي.
إذاً لا تترك عقلك في فراغ, خوفاً من أن يحتله الشيطان ويغرس فيه ما يريد.
ولهذا فإن القراءة الروحية مفيدة جداً... ليس فقط في شغل الذهن ومنع الأفكار الرديئة عنه, وإنما أيضاً لها فائدة إيجابية, لأنها تعطي الفكر مادة روحية للتأمل, وتعطي القلب مشاعر محبة لله تجعله قوياً في طرد الأفكار المضادة...
كن متيقظا باستمرار, ساهراً على نقاوة قلبك, فلا يسرقك الفكر الخاطىء دون أن تحس.
واطرد الأفكار من بادىء الأمر حينما تكون ضعيفة, وأنت لا تزال قوياً.
لأنك إن تركت الأفكار الخاطئة باقية فترة في ذهنك, لا تلبث أن تثنت أقدامها وتقوى عليك. وكلما استمرت واستقرت في داخلك, تضعف أنت ولا تستطيع مقاومتها وتسقط. لذلك كن متيقظا وسريعاً في طرد الأفكار. وتذكر قول المرتل في المزمور:
(( يا بنت بابل الشقية, طوبى لمن يمسك أطفالكِ ويدفنهم عند الصخرة )) (مز 137 )
فهو يخاطب بابل أرض السبي, التي تسبي إليها قلبه. فهو يقول طوبى لمَن يمسك أطفالك, أي الخطايا وهي في مبدئها, قبل أن تتطور, ويدفنها عند الصخرة. (( والصخرة كانت المسيح)) (1 كو 4:10 ).
اهتم بالفضيلة الروحية التي يسمونها (( استحياء الفكر )).
أقصد بهذا انه عندما يكون فكرك ملتصقاً بالله, بالصلاة, بالتأمل, بعبارات الحب, بالتسبيح وبالترتيل. حينئذ يستحي الفكر – وهو ملتصق بالله... ومن أن تشغله أفكار الخطية, فيرفضها, وهذا علاج روحي...
ومن هنا كان انشغال الفكر بالله علاجاً وقائياً من الأفكار الخاطئة. إذ يستحي من التصاقه السابق بالرب.
ومن الناحية المضادة, ابتعد عن العثرات التي تجلب لك أفكاراً خاطئة.
ابتعد عن كل لقاء ضار, وعن كل صداقة أو معاشرة خاطئة. ابتعد عن القراءات التي تجلب أفكاراً مدنسة أو على الأقل تتيهك عن الفكر الروحي, ابتعد عما يشبه هذا من السماعات والمناظر والأحاديث وكل مسببات الفكر البطال.
و ما دامت الحواس هي أبواب الفكر, فلتكن حواسك نقية, لتجلب لك أفكاراً نقية.
إن تراخيت مع الحواس, فإنك بذلك إنما تحارب نفسك بنفسك, فاحترس إذا. ولتكن حواسك معك وليس ضدك. ومن هنا كان التأمل في صور القديسين, وسماع أخبارهم, وسماع القداسات و الألحان, وجو الكنيسة من بخور وأنوار وأيقونات وطقوس روحية, كل ذلك يجلب للقلب أفكاراً روحانية.
احترس من الأفكار المتوسطة, التي هي ليست خيراً ولا شراً.
لأنها كثيراً ما تكون تمهيداً لأفكار خاطئة. فالذي لا يضبط فكره, وإنما يتركه شارداً هنا وهناك, قد يرسو على موضوع خاطىء ويستقر فيه… فمن الناحية الإيجابية اربط فكرك بمحبة الله, أو بأي موضوع نافع, أو حتى بعملك ودراساتك وخدمتك ومسئولياتك, لكي لا يسرح في أمور عديمة الفائدة.
إذا أتعبك الفكر ولم تستطع أن تنتصر عليه, اهرب منه بالحديث مع الناس.
حتى إن كنت في وحدة أو خلوة, اترك وحدتك وخلوتك واختلط بغيرك. لأن حديثك مع الناس يطرد الفكر الخاطىء منك, إذ لا يستطيع عقلك أن ينشغل بموضوع الفكر وبالأحاديث في نفس الوقت.
واعرف أن الوحدة بمعناها الروحي هي اختلاء مع الله. فان تحولت إلى اختلاء مع الأفكار الشريرة, فالخلطة أفضل منها طبعاً…
استعن على طرد الفكر بالصلاة.
والأب الكاهن يقول للرب في القداس الإلهي: (( كل فكر لا يرضي صلاحك, فليبتعد عنا)).
وهناك قاعدة روحية أحب أن أقولها لك في محاربة الأفكار وهي:
الهروب من الأفكار خير من محاربتها. لأن الفكر الشرير الذي ينشغل به عقلك: حتى لو انتصرت عليه, يكون قد لوثك في الطريق.
لا تخدع نفسك قائلاً: ( أنا أستطيع أن اهزم الأفكار. ولكني أناقشها لأظهر ضعفها) …فربما تغلبك الأفكار, وهي التي تظهر ضعفك.
ثم لماذا تضيع طاقتك في القتال؟
اشغل عقلك بشيء طاهر مقدس يقويك في الحياة الروحية, ويزيد حرارتك, بدلا من هذه الصراعات التي لا تفيدك شيء بل تضرك.
اعرف أيضاً أن الأفكار إذا استمرت, قد تقود إلى أفكار أو شهوات فتكون أخطر لأنها تنتقل من الذهن إلى القلب, ومن الفكر إلى العاطفة.